كثيرة هي الأطراف المشاركة والفعالة في حركة الوصول الحر، وعلى رأسها الجامعات والمكتبات ودور النشر ومؤسسات تمويل البحث العلمي والباحثين أنفسهم، ولكل من هذه الفئات أسبابه وحرصه على تقدم هذا الأسلوب من تداول المعلومات.
وربما كان الباحثون في الحقيقة أكثر الأطراف فعالية في هذه الحركة؛ وذلك ببساطة، لأن الباحثين هم الذين يقررون تقديم أعمالهم إلى دوريات الوصول الحر من عدمه، وهم الذين يقررون إيداعها في مستودعات الوصول الحر من عدمه. هذا إن لم يكن هناك إلزام mandate مباشر من المؤسسات التي يعملون بها لأداء ذلك.
وعلى ذلك ، فإن اتجاهات الباحثين نحو الوصول الحر ، ومدى وعي هؤلاء بقضايا هذا الموضوع ودوافعهم نحوه، مما يمكن أن يؤثر بالضرورة على مسيرة هذه الحركة المهمة في النشر العلمي المعاصر.
ويُقصد بـ"اتجاهات الباحثين نحو الوصول الحر" ، اعتقادات الباحثين وآراؤهم حول إيجابيات هذا النمط من النشر العلمي وسلبياته، ومدى استعدادهم للانخراط فيه ودوافعهم وراء ذلك.
من هنا تأتي هذه الدراسة* التي حاولت تطبيق أحد أساليب البحث العلمي وهو التحليل اللاحق Meta-analysis على الإنتاج الفكري الصادر في هذا الموضوع، وذلك للتعرف على النتائج العامة أو المشتركة التي توصلت إليها الدراسات الصادرة في هذا الموضوع.
ويهدف أسلوب التحليل اللاحق إلى تقييم دقيق للدراسات الأولية الصادرة في موضوع معين أو التي تنصب على مشكلة بحثية معينة وتشتمل نتائجها على بيانات كمية في الأساس؛ وذلك عن طريق التوسل ببعض الأساليب الإحصائية التي تعمل على تجميع النتائج المشتركة فيما بينها وتلخيصها، ومن ثم محاولة استنتاج نتيجة كلية منها.
وقد انتهت الدراسة إلى أنه من الطبيعي أن تتعدد اتجاهات الباحثين نحو القضايا المختلفة للنشر العلمي ذي الوصول الحر. ذلك أن تبني الباحثين لاتجاهات معينة يتوافق على العموم مع بعض اعتقاداتهم ، كما يرتبط في الحقيقة بتبنيهم لاتجاهات أخرى تتعلق بالقضية نفسها، فضلا عن تأثر تلك الاتجاهات ولا شك بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتشريعية، ومدى انتشار تقنيات المعلومات والاتصالات وتطور البنية الأساس للمعلومات، في البيئة التي يعيش فيها هؤلاء الباحثون.
كما يمكن الإشارة إلى النتائج المحددة التالية، بناء على الدراسات التي تم فحصها وتحليلها:
· إن اتجاهات الباحثين نحو النشر العلمي وفقاً لنمط الوصول الحر، بصفة عامة، اتجاهات محايدة. مع بعض الاختلافات في مدى حيادية تلك الاتجاهات أو إيجابيتها أو سلبيتها بين كل قضية وأخرى من القضايا ذات الصلة.
· تتأثر اتجاهات الباحثين نحو الوصول الحر، في معظم القضايا التي تناولتها الدراسة، بمدى تقدم الدولة التي يعيشون فيها. وذلك مع بعض الاستثناءات في هذا الصدد، نتيجة لتقدم البنية الأساس للمعلومات في بعض الدول النامية.
· يعد الباحثون الذين ليست لديهم معرفة كافية عن الوصول الحر وقضاياه، أكثر نسبةً من هؤلاء الذين لديهم معرفة عن ذلك.
· ربما نتيجة للعامل السابق، فإن اتجاهات الباحثين نحو الرغبة في نشر بحوثهم في الدوريات المتاحة وفقاً لنظام الوصول الحر، تعد حيادية نوعًا ما ؛ إذ أن نسبة هؤلاء تبلغ أكثر من نصف مجموع الباحثين بقليل.
· ليس هناك رغبة لدى أكثر الباحثين في دفع رسوم مالية لأجل النشر في دوريات الوصول الحر، خاصة هؤلاء الذين يعيشون في الدول النامية.
· لم يتم التحقق من الفرض القائل برغبة أكثر الباحثين في الاحتفاظ بحقوق التأليف لدراساتهم العلمية بعد نشرها في الدوريات التقليدية.
· يرغب أكثر الباحثين بالفعل في الأرشفة الذاتية لأعمالهم العلمية.
من ناحية أخرى، فإننا نستشف من خلال الدراسات التحليلية الصادرة في هذا الموضوع، بصفة عامة، أننا بإزاء ثلاثة مباحث رئيسة هي:
- مدى المعرفة أو الاطلاع على الوصول الحر وقضاياه المختلفة.
- الاتجاه نحو الوصول الحر وقضاياه بالقبول والاستحسان، أو الرفض وعدم الاستحسان.
- الرغبة أو الاستعداد في المشاركة في الأساليب المختلفة للنشر ذي الوصول الحر.
ومن الواضح أن هذه الجوانب الثلاثة للموضوع، من الناحية المنطقية على الأقل، تترتب على بعضها البعض. فليس من شك في أن الرغبة في الانخراط في النشر ذي الوصول الحر تنبني على الاتجاه نحو هذا الأسلوب من النشر، وينبني الاتجاه بدوره على مدى المعرفة بهذا الأسلوب. بل يزيد البعض على ذلك بالقول إنه من الواضح أن نجاح مشروعات الوصول الحر في أية مؤسسة، يعتمد بصورة قوية على مدى وعي الباحثين ومدى استعدادهم لدعم هذه المشروعات.
* البيانات الوراقية للدراسة:
عبدالرحمن فراج. التحليل اللاحق Meta-analysis أسلوبـًا للبحث في مجال المكتبات وعلم المعلومات: الإنتاج الفكري في موضوع "اتجاهات الباحثين نحو الوصول الحر" نموذجـًا. دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات. مج14، ع1 (يناير 2009). ص ص 10-89.