19 أبريل 2008

جوجل يعزف على أوتار الرقمنة في صالات عرض معرض لندن للكتاب



بواسطة جريدة الشرق الاوسط

لندن: سوسن الأبطح

العرب يتعلمون ويتقدمون خطوات إلى الأمام، ولم يكن وجودهم في «معرض لندن للكتاب»، الذي اختتم أمس، مربكاً ومثيراً للضجيج والنقد الشديدين، كما كان عليه الحال في معرض فرانكفورت الذي استضافهم كضيف شرف منذ سنوات. هذه المرة جاء العرب مزودين بتجربة مريرة، إضافة إلى أن الإنجليز لم يتركوا لهم المهمة التنظيمية وأخذوها على عاتقهم. فحضر الناشرون والأدباء العرب إلى معرض لندن وفق برنامج واضح ومحدد، احتُفي بهم، وقُدمت لهم التسهيلات، ليتفاعلوا ويتواصلوا مع سوق هائلة للكتاب بالتزامن مع حملة إعلامية كبيرة في أهم الصحف الإنجليزية وعلى التلفزيونات.

فهل جنى العرب شيئا مما كانوا يصبون إليه، وهل نالوا جزءا ولو ضئيلا من صفقات الكتب التي يسمعون عنها ولا ينالون منها؟.

غالبية الناشرين لا يريدون الإفصاح عما فعلوه في المعرض، لكن صاحب «دار الشروق» الأردنية، فتحي البسّ، يقول إن الناشرين اللبنانيين نالوا حصة الأسد، وكانت لهم اتصالات مثمرة، وتمكنوا من إجراء صفقات مقبولة.

وحين سألنا بشار شبارو، صاحب «الدار العربية للعلوم» اللبنانية، التي تترجم كمّا كبيرا من الكتب، قال «لا يزال العديد من المسائل قيد التفاوض، لكن ما هو أكيد حتى الآن، أننا حصلنا على حقوق ترجمة 16 كتابا لدوريس ليسنغ، الحائزة على جائزة نوبل. وكنا سابقا قد ترجمنا أربعة كتب للكاتبة نفسها، هذا يعني أننا حصلنا على حقوق 20 كتابا لهذه الكاتبة المتميزة».

ويعزو شبارو هذا النجاح إلى وجود شبكة قديمة تربطه بناشرين غربيين، وبالتالي فهو يرتب مواعيد سلفا، ويأتي للتفاوض خلال المعرض. لكن ماذا عن بيت حقوق كتب عربية لترجمتها بلغات أخرى؟، يقول شبارو: «هذه المرة قمت بعمل كاتالوغ ببعض منشوراتنا للتعريف بها وعرضها على الناشرين الأجانب، علّها تغريهم بترجمتها إلى لغاتهم، لكنني أعترف بأنني لم أتمكن من إغراء أحد إلى الآن!».

رنا إدريس، صاحبة «دار الآداب»، سعيدة لأنها تمكنت من الحصول على حقوق ترجمة ست روايات إلى العربية، لكنها لا تريد الإفصاح عن أسمائها أو دور النشر التي اتفقت معها، لأن التفاوض لا يزال في أوله، ودخول أي جهة على الخط قد يودي بكل العمل الذي قامت به، لذلك فهي تتحفظ على التفاصيل، بسبب شدة المنافسة.

وتستطرد رنا إدريس: «على أي حال، نحن ندفع الأموال باستمرار ولا نقبض. في أحسن الظروف نشتري الحقوق ولا نستطيع أن نبيع حقوق كتبنا لترجمتها بلغات أخرى، فكتّابنا لا يعطوننا الصلاحيات. ومع ذلك فنحن نساعدهم لنعثر لهم على ناشر أجنبي ولا نطلب منهم سوى أن يضعوا اسم دار النشر العربية على الكتاب، وهذا ما لا يفعلونه غالبا».

خالد المعالي، صاحب «منشورات الجمل»، لا يخفي بأنه يتعامل مع السوق الغربية للكتاب بنجاح إلى حدّ ما، ويستفيد من استضافة العرب في لندن، من دون أن يتحدث في تفاصيل إنجازاته، لكنه يشكك في قدرة الناشرين الآخرين على الاستفادة من الفرصة بالقدر المطلوب. يقول المعالي: «إن جلست هنا في جناحي وانتظرت الناشرين الآخرين ليأتوا نحوي، فلن أجني شيئا، رتبت مواعيدي سلفا، والتقيت مَن أود أن أجري معهم أعمالا حتى قبل افتتاح المعرض». ويتذكر معالي تجربة استضافة العرب في معرض فرانكفورت وهو الذي يعيش ويعمل في ألمانيا، مؤكدا أنها كانت كارثة على النشر العربي. فقد انخفضت نسبة مبيعات الكتب العربية 50%، وملايين الدولارات التي صرفتها الجامعة العربية لهذه المشاركة، لم تسفر إلا عن خسائر، والسبب هو خضوع النشر العربي للعشوائية والفوضى. كل الناشرين العرب الذين سألناهم، قالوا إنه لا أحد يأتي باتجاههم، وانهم هم المبادرون دائما لتسويق كتبهم أو الحصول على حقوق ترجمة كتب أخرى. لكن صادف أثناء وجودنا في جناح «دار الشروق» المصرية، أن التقينا ممثلا لشركة «غوغل» يقدم عرضا مغريا. ويبدو أنه يجوب الأجنحة العربية الأبرز ليعرض مشروعا، إن كتب له الوصول إلى خواتيمه فسيعتبر نقلة كبيرة في عالم النشر العربي. وفكرة «غوغل» هي الاتفاق مع ناشرين عرب لوضع أجزاء من الكتب الصادرة لديهم على محرك البحث الشهير. وعندما يدخل أي باحث على الموقع ويريد البحث عن كتاب عربي، يكفيه أن يضع الكلمة المفتاح ليعثر على أسماء أهم الكتب حول الموضوع. وعندما يفتح الباحث العنوان الذي يختاره، سيعثر على عدة صفحات من الكتاب. ولو أراد الحصول على المؤلف كاملا، فإن «غوغل» تزوده بكافة المعلومات لشرائه.

نسأل ممثل «غوغل» لماذا يتم الاهتمام الآن بالكتب العربية، وما سبب إقدامكم على هكذا مشروع؟، فيقول: «لاحظنا تزايدا هائلا في عدد المستخدمين العرب لخدمة «غوغل»، ويهمنا أن نتفاعل مع هذا التطور بطريقة إيجابية، وبالذهاب خطوة إلى الأمام باتجاه هؤلاء القراء، ونستجيب لحاجاتهم بطريقة تفيدنا وتفيدهم». وحين يعلم ممثل «غوغل» بصفتنا الصحافية، يمتقع قليلا ويقول إن شركته لا تريد الكشف عن مشروعها في الوقت الحالي، لأنه لا يزال في طور البحث مع الناشرين، وعندما تنجز خطوات مهمة سيكشف عنها، لذلك فهو يمتنع عن أي لقاء صحافي.

تركنا ممثل «غوغل» وهو يتفاوض مع مدير النشر في «دار الشروق» على التفاصيل التقنية، حيث تزودهم الدور العربية بمنشوراتها وتتولى «غوغل» اختيار الصفحات الملائمة وتصويرها ووضعها على الشبكة في خدمة القراء.

واللافت أن «دار الشروق» المصرية، بدت خلال المعرض وكأنها الأبرز بين الدور العربية بسبب التماع نجم العديد من كتّابها. فهي الدار التي فازت بجائزة بوكر العربية أخيرا، عبر رواية «واحة الغروب» لبهاء طاهر. وهو أمر وجد صداه الكبير في معرض لندن، إن باستضافة طاهر لمناقشة الرواية في المقهى الأدبي، أو من خلال ندوة أقيمت للفائزين باللائحة القصيرة لبوكر، أو عبر الصحافة الإنجليزية وفي المؤتمرات الصحافية التي عقدت خلال المعرض. فاسم بهاء طاهر كان يتردد باعتباره أديبا كبيرا تجدر قراءته. أما الكاتب الآخر الآتي من «دار الشروق» ولمع نجمه، فهو الشاب خالد الخميس، الذي ألّف كتاباً حول أحاديث سائقي التاكسي في مصر، تمت ترجمته أخيرا إلى الإنجليزية.

فيما علاء الأسواني تمت معاملته خلال المعرض كنجم أدبي عالمي، وتوزعت صوره وإعلانات عن حضوره وتوقيعه لروايته «عمارة يعقوبيان» بالإنجليزية في أرجاء الصالات الشاسعة.

صحيح أن الناشرين العرب لا يزالون يصارعون من أجل إثبات الوجود في سوق للكتاب العالمي تبدو ضارية، لكن خطوات تنجز إن لم يكن من غالبية الدور فمن بعضها على الأقل. ومن الصعب القول إن النشر العربي قبل معرض لندن للكتاب هو كما بعده. لكن جهاد الناشرين لا يزال في أوله، والطريق طويلة، والأفكار الخلاّقة بمقدورها أن تصنع المعجزات.

فثمة دار أميركية لها رواية مستوحاة من قصص القراصنة جاءت بأبطالها إلى المعرض بملابسهم القديمة وسيوفهم وقبعاتهم وعصبت لبعضهم عينا وتركت أخرى. وكان هؤلاء يجوبون المعرض وهم يحملون صورة ضخمة للكتاب للترويج له، ويدعون الناس لحضور وصلات غنائية يؤدونها من وحي الكتاب.

دعاية استثنائية لرواية ليست بالضرورة فريدة من نوعها، لكن الترويج لها بهذه الطريقة دفع بها إلى المقدمة. ففي عالم الابتكارات لا حدود ولا سدود، إنما فضاءات مفتوحة وأخيلة بمقدورها أن تحصد كنوزا غير منظورة.